كرات عكسية / محمد كامل سعيد / رمضان أصعب في السودان..!!

– **انتهى اليوم الثالث من شهر رمضان المبارك ودخلنا اليوم الرابع.. ورغم ابتعادنا عن بلادنا ومنازلنا – التي دمرتها الدانات وتعرضت للنهب والسرقة ولم يتبق منها إلا الذكريات – فإن تلك الذكريات ستظل صادقة ونبيلة.. ولا ولن يبارح شهر رمضان ولياليه الجميلة الرائعة في السودان مخيلتنا..**
– **عامان مرا على آخر رمضان قضيناه في السودان.. وأذكر جيدا إننا عشناه تحت أصوات الرصاص والدانات.. وانعدام كامل للخدمات الأساسية من كهرباء ومياه وأبسط المقومات التي تضاعفت وتزايدت مع مرور أيام الحرب.. ووصلت الآن إلى مرحلة قميئة لا تطاق..!!**
– **لقد مر علينا الأسبوع الأخير في شهر رمضان (قبل الماضي) ثقيلاً جداً.. وكنا نعيش وكأننا نقاتل الرمال المتحركة حيث ظلت الأساسيات تتناقص يوماً بعد يوم.. ثم تابعناها تتلاشى ساعة بعد ساعة إلى أن وصلنا لدرجة أن تتساقط الدانات والرصاص علينا ونحن داخل منازلنا كالمطر..**
– **حدث ذلك قبل أن تضيق علينا منازلنا ونجد أنفسنا مضطرين على مغادرتها في ظل الخطر الذي صار أقرب إلينا من حبل الوريد.. فقررنا النزوح إلى شمال أم درمان (الجرافة) وكنت حريصاً على زيارة منزلي كل أربعة أو خمسة أيام.. حدث ذلك قبل أن نتفاجأ بأننا ممنوعون من دخول ود نوباوي بسبب أن المنطقة صارت مكاناً للاشتباكات..!!**
– **َلقد أُجبرنا على ترك منازلنا غصباً عنا بعد انعدام أبسط مقومات الحياة.. لا نور ولا موية ولا خدمات ولا أمن ولا أمان.. حتى أرواحنا صارت في خطر ويحاصرها الموت الذي كان يمكن أن يحل بنا في أي لحظة.. فقررنا الذهاب واستعوضنا الله في ممتلكاتنا وكل أغراضنا..!!**
– **غادرنا أم در والحبيبة ود نوباوي اضطرارياً وبحوزتنا غيار أو غيارين في أحسن الأحوال.. واحتسبنا كل ممتلكاتنا وسألنا المولى عز وجل أن يعوضنا عنها خيراً.. أقول إن ذلك لم يحدث لنا فقط بل حدث لملايين المواطنين الذين تدمرت منازلهم كما علمنا بعد نزوحنا بحقيقة ما حاق بمنازلنا من خراب وسرقة ونهب وحرق وخلافه..!!**
– **نزحنا شرقاً فَوجدنا مقولة: (من ساب دارو.. قل مقدارو) تتجسد أمامنا بكل تفاصيلها.. ولم يكن أمامنا إلا أن نحتسب ونسأل الله أن يجيرنا في مصيبتنا ويخلف علينا خير منها.. أيام وأسابيع وشهور عايشنا فيها كل أصناف وأشكال المعاناة فصبرنا وصابرنا واجتهدنا ووفقنا المولى عز وجل الذي لم يتخل عنا وظل مسانداً ومعيناً لنا..!!**
– **َخلال شهر رمضان الماضي الذي كان الأول بالنسبة لنا الذي نقضيه غصباً عنا بعيداً عن السودان.. حيث قام أحد الأصدقاء بإرسال فيديو يصور الدمار الذي حاق بمنزلنا الذي كان عامراً في ود نوباوي.. لقد جسد لنا الفيديو تفاصيل الدمار والسرقة وكل ما هو سيئ.. ظهر لنا ذلك في الكاميرا فاعتصمنا بحبل الله وسألناه أن يكون عوناً وسنداً لنا..**
– **مرت الأيام والأسابيع والشهور والسنوات.. وها نحن نستقبل شهر رمضان الثاني ونحن خارج بيوتنا.. والثالث منذ اندلاع الحرب اللعينة التي كان ولا يزال المواطن وحده هو الذي يدفع ثمنها غالياً من أرواحه وممتلكاته وأثاثاته كما أنه لا يزال هو الجهة التي تدفع فاتورة المعارك الجارية حتى الآن بجانب تحمله للدمار والخراب..**
– **وكعادتي في مثل هذه الأيام المباركة وجدت نفسي وأنا مشتاق لممارسة عادتي المحببة التي داومت عليها لسنوات والمتمثلة في أنني أقوم بتدوين بعض الملاحظات على ما تقدمه قنواتنا الفضائية السودانية من برامج رمضانية.. لكن للأسف لم أجد غير المآسي وهي تفرض نفسها على معظم القنوات..!!**
– **تشابهت كل القنوات في أن رائحة الموت هي التي تفوح منها.. وتحاصر المشاهد بلا استئذان بعد أن فرض صوت الدانات نفسه على الجميع رغم أنف ما يتم تداوله من انتصارات وأخبار عن انتشار قوات الجيش في كل الجبهات.. هكذا استقبل ما تبقى من شعب السودان شهر التوبة والغفران..**
– **امتلأت جل القنوات السودانية بصور دمار المنازل ودفن الموتى والحرائق وكل ما هو مرتبط بالخراب والدمار.. إلى جانب نقص للأدوية وأبسط ما يستخدم لإنقاذ حياة الإنسان.. الإنسان الذي يتعرض للإصابة بالدانات وليس الإنسان المصاب بالأمراض الخطيرة المزمنة..!!**
– **معظم القنوات الفضائية السودانية تحولت إلى قنوات نازحة.. تلفزيون السودان يبث من بورتسودان.. وقناة الخرطوم من محلية كرري بأم درمان.. أما قناة الزرقاء فتبث من مصر.. هكذا ابتعدت قنواتنا عن أماكنها مجبرة. ولا غرابة في أنها تشابهت في النزوح مع المواطن البسيط..**
– **وتمر الأيام والشهور والسنوات ولا يوجد للأسف أي ضوء.. لا في أول النفق ولا في آخره.. ويظل كل فرد من أفراد الشعب السوداني يعيش المعاناة التي تتضاعف وتنعكس بشكل واضح وفاضح على تحركاته وتفكيره وقراراته المهمة والهامشية كبيرة كانت أو صغيرة..**
– **الأخبار الواردة من السودان وتحديداً معشوقتنا أم درمان لا تبشر بأي خير.. حيث أكد لنا ما تبقى من أهل وجيران ومعارف أن الأمن لا يزال مفقوداً.. وعصابات النهب المسلح وصلت وتغلغلت في أم در الحبيبة خاصة الأحياء القديمة بعد ما صار السلاح في يد كل من هب ودب..**
– **لقد تحول رمضان الذي كان أحلى في السودان وصار اليوم أصعب مما كان عليه بالأمس القريب بعد ما فقد الأمن والأمان.. وظل المواطن هو الجهة الوحيدة التي تدفع الثمن غالياً من روحه وممتلكاته وفلذات أكباده.. ولنا عودة مرة أخرى بإذن الله لهذه القصة المؤلمة الحزينة في قادم الأيام.**
– **تخريمة أولى: افتقدنا كل شيء جميل في شهر الخير والبركة.. وصار رمضان مرتبط عند السواد الأعظم من السودانيين بالموت والدانات والسرقة والنهب والسلب وغير ذلك من الأعمال الدخيلة على مجتمعنا المسالم..!!**
– **تخريمة ثانية: افتقدنا ضحكة أستاذنا الجميل وزميلنا الرائع السر قدور حيث غابت شمسه وصار كل ممتع مفقود في سودان الحرب الذي تحول إلى مكان ثابت للدمار..!!**
– **تخريمة ثالثة: افتقدنا كل جميل في رمضان واشتقنا للدعيتر والليموني والشيخ محمد أحمد حسن وحنان جوطة.. جوطة أكثر من دي والله ما لاقتنا وما أظن ح تلاقينا..!!**
– **حاجة أخيرة: يخوض المريخ مباراة مهمة فجر الثلاثاء أمام (تولدي) متذيل الدوري الموريتاني.. ولعل الاتحاد الموريتاني قدم تجربة فريدة لاتحاد الدمار السوداني وأثبت أن الإدارة فهم أساسه وعنوانه الأول السعي للتطوير..!!**
– **همسة: الدوري الموريتاني وكما ثبت بشكل عملي أفضل وأحسن بمراحل كبيرة من الدوري السوداني.. الفارق شاسع وواسع ولا توجد أي مقارنة بين الفهم هنا وهناك..!!**
– **همسة خاصة: تظل الفوضى والارتجال والهرجلة من أبرز الثوابت التي يستند عليها قادة كرة القدم السودانية في تسيير أعمالهم.. وعشان كده ما أظن كرتنا تعرف سكة الصلاح ولا التقدم إلى الأمام..!!**
–